الفساد يفتك بهيبة القانون

الفساد يفتك بهيبة القانون
لا يمكننا إخفاء حقيقة أن الفساد موجود في مؤسسات الدولة الرسمية، خصوصا الخدمية منها والمالية، حتى بات بعضهم يتحدث عنه كما لو أنه "نهج” اختطه وشرعنه نفر غير قليل بعد أن تخلى عن الأمانة والنزاهة والأخلاق، وعمد إلى استغلال الوظيفة العامة عبر سرقة الأموال بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، عبر إنفاقها بغير وجه حق. تقرير ديوان المحاسبة للعام 2018 أفرغ ما في جعبته وكشف حجم المخالفات التي ارتكبها مسؤولون صغار في الدولة بحق المال العام، وكأنهم ينفقون من حساباتهم البنكية الخاصة بهم، دون رقيب أو حسيب، ليكشف التقرير معه زيف الإجراءات الحكومية التي تتخذ بحق المخالفين الذين وردوا في تقارير الديوان السابقة. وقد شاهدنا كيف تغنى فريق رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز على مدار أشهر بإنجازاته بتحويل عدد من القضايا التي وردت في تقرير 2017 إلى الجهات المعنية. ماذا حدث بعد ذلك؟ لا أحد يعرف شيئا!. التقرير لم يأت بجديد عن ذلك الذي سبقه في الأعوام الماضية، طرق الفساد والهدر المالي نفسها، والتحايل على القانون من أجل كسب غير مشروع هو ذاته، لكن بوجوه وأرقام مختلفة، حيث يبدو أن ما تتضمنه هذه التقارير لا تتعدى أن تكون حبرا على ورق لتتم فهرسته بعدها، ثم يخفى في أدراج محكمة الإغلاق، بعد أن يكون رئيس الوزراء التقط صورا تذكارية له وهو يتسلم نسخته من رئيس الديوان. الذي يحدث بعد ذلك هو أن كل شيء يختفي بعد أن تكون الأخبار قد انهالت على رؤوس الأردنيين حول حالات الفساد التي سجلها الديوان، فتزيدهم إحباطا فوق إحباط من نشامى على شكل فاسدين، ومن غياب تام لسيادة القانون. الفساد ليس وليد اللحظة في الأردن، وقد لا نستطيع التخلص منه نهائيا، ولكن التخفيف منه وتجفيف منابعه، والحد من تأثيراته ليس بالأمر المعجزة إذا ما أرادت الدولة ذلك، وهذا لن يكون إلا بالضرب بيد من حديد على رؤوس كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، بعيدا عن أي اعتبار، ولو تحقق ذلك بحق المخالفين الذين وردت بحقهم مخالفات في تقرير 2017 والعام الذي سبقه لكان في الأمر ردع حقيقي ولما تكرر المشهد من جديد، أو على الأقل لانخفضت أرقام الفساد لدينا. بين تأكيد رئيس الوزراء عند تسلمه تقرير 2017 بأن الحكومة ستأخذ ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة بمنتهى الجديّة، وتعهده عند تسلمه نسخة 2018 أيضا بأن الحكومة ستتعامل بكل جدية وحزم ودون تهاون مع المخالفات والتجاوزات التي يتضمنها التقرير، تبقى مؤسسات عديدة مرتعا للفساد والمخالفات، كما يبقى مستمرا نزيف المال العام الذي تركناه عرضة للنهب والسلب وسوء الأمانة. رئيس الوزراء أكد في العام 2017 أهمية الرقابة على قضايا الترهل الإداري والفساد الوظيفي إلى جانب قضايا الرقابة المالية. وشدد على ضرورة تفعيل وحدات الرقابة الداخلية في المؤسسات، وإعطائها الصلاحيات الملائمة، إلى جانب الاستعانة بمبدأ "المتسوّق الخفي” لغايات تشديد الرقابة وضبط المخالفات وتصويبها. فهل تحقق ذلك؟!. إذا ما أردنا أن نؤمن بتعهد رئيس الوزراء بهذا الاتجاه فلا ضير من مؤتمر صحفي تكشف الحكومة فيه مجمل الإجراءات التي اتخذتها بحق المخالفات التي ورد ذكرها في تقرير 2017، والمبالغ التي تم استرجاعها من العابثين بأموال الدولة. كما قلنا، الفساد لدينا ممتد عبر عقود، مثلما هو موجود في جميع دول العالم، حتى في أرقى الديمقراطيات، لكن الفرق الحقيقي بيننا وبين الدول الأخرى التي تحاول محاربة الفساد، هو أن لديها سيادة حقيقية للقانون، تستطيع من خلالها استهداف الفساد، ووقف هدر المال العام. بدون ذلك سوف نبقى "ننفخ في قربة مقطوعة”، وسوف يظل الفساد يتغول علينا، ويتضخم سنويا!.

 
تابعوا الوقائع على