جفون

جفون
... في طفولتي درست في مبحث العلوم عن العين, وقد تبين لي أن العين لا تساوي شيئا من دون الجفون, الجفن هو الذي يحميها ويبقيها مبللة... وهو الذي يحرسها حين تنام ويبقيها مغلقة, وهو الذي يصد عنها هجمات الرمال والأتربة, وأشعة الشمس الحارقة...

الشعراء تغزلوا بالعين ونسوا الجفن, مع أن إغفاءة الجفن بحد ذاتها..تمثل لوعة للعاشق أكثر من رؤية العين, تخيلوا حتى حركة الجفن أو ما نسميه (بالغمزة) هي إشارة سرية للعشق...

لكن أحدا لم يمر على الجفن ولم يذكر كيف أن الكحل جماله يكمن حين يضع على أطراف الجفن, وأن استقامة الرموش.. وعذوبتها لا تتم من دون جفن يحملها أو يحتضنها, ويطلقها كالسهام على قلوب العشاق..

حتى حين تصاب بالقلق, وحين يعتريك الشك.. وينتابك السهر, وحين يهدك العشق تطلق أجفانك إشارات للناس, عن تعبك فلونها يتغير, وتقل نظارتها..

في الدولة الأردنية, نرى الأمور بضبابية مفرطة, لأننا نركز على العين وننسى الجفن... فنحن لدينا رؤية اقتصادية للأردن, ولدينا رؤية لتطوير الرياديين.. ولدينا رؤية لحل أزمات عمان, ولدينا رؤية أخرى للإستثمار... ولدينا محطة رؤيا في الإعلام... ولكننا ننسى الهوية والرؤية الثقافية.

وأي دولة في العالم من دون مشروع ثقافي, هي من دون هوية... والثقافة لدى أي أمة هي الجفن الذي يحمي العين من المؤثرات الخارجية..

لاحظوا كم من المشاريع الثقافية الغربية في الأردن:المعهد الثقافي الإسباني, المعهد الثقافي التركي, المجلس البريطاني...مؤسسات (الأن جي أوز)..الياباني, النشاط الثقافي الصيني...الخ.

بالمقابل نحن لا نملك مشروعاً ثقافياً داخلياً, علما بأننا على أعتاب مئوية الدولة الآن.

شرط الحب هو (الجفون)...حتى حين يصاب الإنسان بالعمى, تبقى الجفون تعمل وتحرس العين, لماذا لم ننتج سردية خاصة بنا؟..لماذا لم ننتج مشروعنا الثقافي الوطني الخاص بنا, لماذا نحن الدولة الوحيدة في العالم... والتي تعتقد أن الأجفان فائض بشري, وتشبه أملاك الدولة وعلينا خصخصتها...

حتى الأجفان خصخصت.
تابعوا الوقائع على