الشباب الجامعي وبنية التطوير والتنمية

الشباب الجامعي وبنية التطوير والتنمية
د. طارق زياد الناصر
يمكن وصف المشهد الأردني اليوم استنادا لواقع يعتمد على ماض نعتز به وبمخرجاته، وحاضر يقوده جيل صاحب خبرة ومعرفة، على أبواب مستقبل يتميز بأن الشباب هم أدواته الرئيسة، وأن ثمار الدعم الملكي للشباب منذ تولى جلالة الملك سلطاته الدستورية باتت واضحة الأثر وملموسة النتائج.

وبالحديث عن معادلة العمل مع الشباب في هذه المرحلة الدقيقة من عمر المجتمع الأردني فإننا بلا شك بحاجة للنظر عميقا في بنية البيئة الحاضنة للشباب، وفي مقدمتها الجامعات التي تشكل مرتكزا لتطوير قدرات الشباب ونواة لبناء معارفهم ومهاراتهم، فهل نحن راضون عن مستوى العمل العام في الجامعات؟ وهل يمكن تطوير هذه المنظومة بحيث تؤتي النتاج المطلوب؟

لا نستطيع الجزم بالإجابة عن هذه الأسئلة بقدر ما يمكننا رصد بعض المعيقات التي تواجهنا لتحقيق هذا الهدف، لكننا في المقابل نستطيع استقراء الخطاب الملكي تجاه طلبة الجامعات الذي يتجسد في مظاهر كثيرة منها؛ الزيارات الدائمة لجلالة الملك وجلالة الملكة وسمو ولي العهد للجامعات، وحفز طلبتها على العمل والتطوير والإبداع، بل ومواجهة التحديات بقوة واقتدار، بالإضافة إلى الحوار الوطني الجامع تجاه قضايا الشباب والمجتمع الذي يقوده جلالته بحكمة واقتدار لاستشراف المستقبل بقوة وعزيمة، والبناء على مواطن التميز والاقتدار.

يرتبط هذا أيضا بنظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية بمؤسسات التعليم العالي الذي لن يكون أخر خطوات الدعم في هذا المجال، بالرغم من كونه يشكل خارطة طريق لرؤية شاملة تهدف لبناء جيل قادر على إدارة العمل السياسي وتطوير البنى والمرتكزات المشتركة في تحديث منظومة العمل العام.

ما يدفعني للكتابة حول هذا الموضوع اليوم هو أننا في اليرموك ولا ادعي أننا الوحيدون نحاول تطوير منهجية عملنا في هذا المجال، وبدأنا نعمل مع طلبتنا بالفعل، مرتكزين إلى الرؤية الملكية للشباب والتعليم العالي، ومستمدين قوتنا من البرنامج الملكي للإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي، ولا أفشي سرا إذا ما قلت إننا ومنذ أكثر من عام نخوض حوارا داخليا موسعا حول آليات تنفيذ الرؤية الملكية، ليس على المستوى الأكاديمي أو اللامنهجي فقط، وإنما ندرس بعمق كيف يمكننا ان نقدم نموذجا وطنيا مميزا في هذا المجال، وهو حوار يقوم على اتفاق حول الهدف، واحيانا اختلاف في الرؤى والمنهجية لتحقيقه.

وبيننا من الزملاء أكاديميين وإداريين في مختلف مستويات العمل من يقرأ الرسائل الملكية ويبحث في بناء الخطط التنفيذية وتطوير برامج العمل مع الشباب، وبلا شك سنقطف ثمار هذا الحراك الإيجابي للبحث في ألية الانطلاق نحو تنفيذ الرؤية الملكية، مع التأكيد على ضرورة الاعتراف أن البناء المعرفي والأيدولوجي للشباب يحتاج لتصادم حقيقي بين المدارس والتصورات المختلفة، بحيث ننتج دافعية حيوية وحقيقية وقبولا لدى هذا الجيل نحو التغيير الإيجابي.

أضف إلى ذلك أنه بات من الملح الخوض في تجارب مختلفة لصناعة مساحات متنوعة تحتضن الحوار الشبابي وتحاكي مستوياتهم الفكرية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون أن يكون للأستاذ الجامعي دور تجاه هذه القضية، ورغبة في التأثير على اتجاهات طلبته بادوات المرحلة دون ان يتعارض ذلك مع احتياجات المجتمع وتصوراته نحو القضايا الوطنية، وبما يخدم المشاريع الوطنية ويعزز دور هذا الجيل في ممارسة أدوار حقيقة تجاه التنمية المنشودة وفقا لخصائصه ومقدراته الذاتية المختلفة عن الجيل الذي سبقه.

فالشباب الجامعي اليوم بحاجة إلى برامج تدريبية وطنية يشارك في بنائها وتطويرها، ويشعر بأنها جزء من هويته وتراثه، وأنها طريقه الحقيقي ليكون صانعا للمستقبل لا جزءا منه وحسب، ومثل هذه البرامج لا بد ان تستند إلى علاقة هذا الجيل بالإعلام ومنصات الواقع الافتراضي، كما يجب أن تبحر معه نحو موقعه من معادلة الإنتاج المعرفي في العالم وليس فقط المجتمع الصغير الذي هو جزء منه.

ختاما لا بد من الإشارة إلى ضرورات أربع يجب أن تتحقق لخدمة مثل هذا الهدف وهي التخطيط الإستراتيجي والخطط التنفيذية القابلة للتطوير والقياس، بالإضافة إلى مساحة واسعة من الحرية والشفافية والتشاركية، وتحديد الأولويات والمسؤوليات المرتبطة بالأهداف، وتقييم مرحلي مستمر لنتاج هذا المشروع.
تابعوا الوقائع على